مرض الزهيمر ..... قاتل الذاكرة.
هل شاهدت شخصا لا يعرف المكان أو الزمان؟ بل قد لا يستطيع أن يعرف الطريق إلى بيته، ولا يستطيع أن يتعرّف حتى على أقرب الناس إليه من أهله وأصدقائه.. فلا يعرف الأخ أخيه.. ولا تعرف الزوجة زوجها أو أبنائها...هذا ما يمكن أن نشاهده في الحالات المتقدّمة من مرض الزهيمر.
ما هو مرض الزهيمر؟
سمّي هذا المرض باسم العالم الألماني الزهايمر ALZHEIMER الذي كشفه عام 1907، وحدّد فيه التغيرات النسجية الوصفية الحادثة في الدماغ، والتي تؤدي لهذا المرض المعطّل لنشاط الشخص الذهني والحركي. يعدُّ مرض الزهيمر من أكثر أسباب الخرف، وهو مشكلة صحّية آخذة في الازدياد، لاسيما في بلدان العالم المتقدمة
ما هي مسبّبات المرض :
يحدث المرض عادة في الأعمار التي تزيد عن أربعين سنة، وتبيّن الإحصاءات أنه قد ازدادت نسبة حدوث هذا المرض خلال العقود الأخيرة. لقد عزي ذلك إلى أسباب مختلفة كالوراثة والفيروسات والأمراض المناعية، والمواد السّامة وتلوُّث البيئة وغيرها.لقد تبيّن أن 15% من الناس فوق 65 سنة يعانون من درجة من الخرف أو العته الشيخي DEMENTIA، وأن 20% ممن تجاوزوا سن الثمانين مصابون .
بالمرض، وعلى سبيل المثال هناك أكثر من 2,5 مليون أمريكي مصابٌ بهذا المرض، وتبدأ الأعراض عادة بشكل تدريجي ومترقي ودون علامات مرضية لأيِّ مرض آخر.
لقد حُدّدت ثلاثةُ عوامل رئيسة تؤثّر بشكلٍ ملحوظ على تطوّر المرض وهي العامل الوراثي، الجنس، والعمر.
إن دور العامل الوراثي مازال غامضا، فهو واضح عند 10% من المرضى فقط، لقد استطاع علماء الوراثة منذ ثلاثة أعوام تحديد موضع الجينة(المورّثة ) المسئولة عن وراثة المرض، فوجد أنها متوضّعة على الصبغي 21، لقد ربط العلماء بين مرض داون ( المنغولية ) ومرض الزهيمر، حيث يكون في الأول ثلاثة أزواج من الصبغي 21 بدل اثنين، وهذا الخلل ينشأ عنه تأخّر عقلي وتشوهات خارجية في الجسم.
كما بينت الدراسة أن المنغولية أكثر انتشارا في العائلات التي أصيبت بمرض الزهيمر.
كذلك فإن توضع المواد النشوانية في قشر الدماغ على شكل لويحات، والذي ينجم عنه تخّرب في بعض المراكز العصبية نتيجة وجود مستضدات مناعية معينة. وتدلُّ الإحصائيات أيضا أن النساء أكثر إصابة من الرجال، فهن يصبن قبل عشر سنوات من إصابة الرجال عامة، كما أن إمكانية حدوث المرض تتضاعف كل 5 سنوات بعد سن 65، وبينت الدراسات أن احتمال الإصابة بالمرض تقلُّ مع ارتفاع المستوى التعليمي، لكن الأسباب الحقيقية مازالت غير واضحة تماما.
كيف يتظاهر المرض ؟ :
للمرض مراحل وشدّات مختلفة، ففي الحالات المبكّرة جدا، يحدثُ فقدان جزئي في الذاكرة، مع نقص في التركيز، أما الفعّاليات الأخرى اليومية فيزاولها المريض بشكلٍ طبيعي، ومع تطوّر المرض يزداد الشرود ونقص الذاكرة مما يسبب للمريض تراجعا في فعالياته الذهنية والاجتماعية، حيث يصعب عليه القيام بعمله ( كالعمل الإداري والفكري )، أو معرفة المكان، أو السّفر لمكان يعرفه سابقا..وفي مراحل أكثر تقدما يعجز عن القيام بالأعمال الذهنية البسيطة، حتى يصل إلى درجة عدم مقدرته على التعرّف على أقرب الناس إليه. وهكذا يمتد الخلل فيصيب
التوجه، اللغة، والوظائف التنفيذية، أما في النهاية فيصلُ المصاب إلى درجة لا يستطيع معها التبوّل والتبرّز بمفرده.
في الحالات المبكّرة يصعب كشف المرض، حيث يختلط مع أمراض أخرى كالهمود الذي يحدث عند بعض كبار السّن، وقد استطاع الأطباء النفسيون أن يطوّروا اختبارا لغويا مبسّطا لكشف هذا المرض وتفريقه عن الهمود النفسي، حيث يعطى للمريض أسئلة بسيطة، وتتدرّج في صعوبتها، فالشخص المصاب بمرض الزهيمر لا يستطيع التجاوب مع ازدياد صعوبة الأسئلة وتعقيدها، وقد تم تصميم بعض الاختبارات
لتحديد الوضع الذهني لدى الشخص المسن، وهي تساعد بدورها على كشف المرض.ومن الاختبارات العقلية البسيطة التي يمكن ذكرها في هذه العجالة تلك الأسئلة المستخدمة لتقييم وظيفة التعرّف والتي تختلُّ في مرض الزهيمر، فيتم سؤال المريض عن العمر، الوقت، العام، سنة الحرب العالمية، يعطى عنوان ما ثم نسأله عنه في نهاية الاختبار، نطلب منه إجراء العد التنازلي من 20 إلى 1. ونعطي للمريض نقطة عن كل جواب صحيح وكلما كانت إجاباته خاطئة كلما كانت الإصابة متقدمة.
وهكذا يعتمد تشخيص الزهيمر على القصة السريرية والفحص الفيزيائي الاستقصائي والذي يظهر عدم وجود أي مرض آخر، فالتشخيص القاطع لا نصل إليه إلا بعد دراسة خزعة من نسيج الدماغ .
العلاج والتدبير : تبين للعلماء والمختصّين في مرض الزهيمر مدى صعوبة تحديد مقدار الضّعف والوهن الذي يصيب الذاكرة والانتباه، ومداه وحدوده ونتائجه، إذ أنه لم نتمكن حتى الآن من وقف التدهور في هذه الخلايا العصبية مهما كانت العلاجات المستخدمة، ولا شك أن هذا يعود بشكل أساسي لعدم معرفة الأسباب الدقيقة للمرض، وبالتالي استخدمت العديد من الطرق والأساليب العلاجية ولكن النتائج ظلّت محدودة.وقد تبين أن استخدام بعض أنواع الأدوية التي تثبط خميرة الكولين استراز تؤدّي إلى تحسّن محدود في وظائف المريض لكن هذا التحسّن يقتصر على نصف الحالات،
وهي لا توقّف سير المرض الذي يترقى حتى يحدث العجز المحتوم في النهاية.
لهذا يمكن القول أننا ما نزال في أول الطريق في مجال التوّصل إلى العلاج الناجع لهذا المرض الذي يجب ألاّ يدفعنا للوقوف مكتوفي الأيدي أمام الأشخاص المصابين، فعلينا ألا نبخل عليهم بالعطف والرعاية اللازمة والذي يمدّهم بالدفء الأسري والاجتماعي في مواجهة هذا المرض المزمن