خطر يهدد قناة الكبد
جاءت الى المستشفى وهي تعاني آلاماً شديدة مبهمة لا تطاق في القسم العلوي الأيمن من البطن، إضافة الى الحرقة في المعدة والنفخة في البطن والشعور بالغثيان والتقيؤ، حاول الطبيب ان يستدل بأصابعه على موضع هذه الآلام فلم يتمكن من تحديده بدقة، وأمام هذا السيناريو طلب فحص المصابة بالأمواج فوق الصوتية (الإيكوغرافي)، فأتت النتيجة ناطقة، المريضة لديها حصى في المرارة.
والمرارة كيس صغير يشبه الكمثرى، تقع في الوجه الأسفل للكبد، وهي عبارة عن خزان تتكدس فيه المفرزات الصفراوية الآتية من الكبد الى حين الحاجة، أي الى وقت ابتلاع الطعام للمساعدة على هضم المواد الدسمة بما فيها الكوليستيرول، إذ عندها تتدفق المفرزات الصفراوية الى القسم الأول من الأمعاء الدقيقة.
هناك جملة من الحقائق التي يجب معرفتها حول حصى المرارة:
- حصى المرارة مشكلة صحية شائعة نوعاً ما لدى 10 الى 15 في المئة من البشر. وهي تصيب الجنسين، لكنها أكثر حدوثاً عند النساء لأسباب تتعلق بالحمل والدورة الشهرية والهورمونات الأنثوية وحبوب منع الحمل. وطبعاً هناك عوامل تعبّد الطريق لتشكل حصى المرارة مثل ارتفاع الكوليستيرول، وفرط الوزن، واعتماد نظام غذائي غني بالسعرات الحرارية. ولا يغيب عن البال الريجيم السريع والقاسي لتخسيس الوزن، فهو الذي يؤهب المرارة للإصابة بالأمراض والحصى، وفي هذا المجال نوهت دراسة ألمانية (أشرف عليها البروفسور فرانك لامرت من جامعة شتوتغارت) شملت مجموعة من البدينين والبدينات بأن فقدان ربع وزن الجسم خلال أربعة أشهر يزيد خطر إصابة المرارة بالحصى بنسبة 200 في المئة، كما ان الإصرار على اتباع حمية خالية من الدسم يقلل من نشاط المرارة ويؤدي الى تراكم مادة الصفراء فيها وبالتالي زيادة تركيز الأملاح وتشكل الحصى، فالمرارة في حاجة ماسة الى الدسم كي تفرغ حمولتها من المفرزات الصفراوية.وهناك إشارات تدل إلى وجود علاقة ما بين نقص مستوى الفيتامين (سي) وحدوث أمراض وحصى المرارة. وفي هذا الصدد بينت دراسات صغيرة أجريت على الحيوانات ان نقص الفيتامين (سي) لديها يعرضها باستمرار الى تكون الحصى، ومن غير المستبعد ان يحصل الشيء نفسه عند البشر. وعلى هذا الصعيد كشفت دراسة سابقة على مسوحات التغذية الوطنية التي أجريت بين العامين 1988 و 1994 وطاولت أكثر من 13 ألف رجل وامرأة وأشرف عليها باحثون من جامعة كاليفورنيا، ان النساء اللاتي لا يحصلن على كميات كافية من الفيتامين (سي) يزيد خطر تعرضهن للإصابة بأمراض المرارة مقارنة بأخريات ينلن ما يلزم من هذا الفيتامين. وتعليقاً على النتيجة أوضح الدكتور جويل سايمون أستاذ الطب الوقائي في الجامعة، ان الفيتامين (سي) يعمل على تنظيم تحويل الكوليستيرول الى أحماض صفراوية تساعد في عملية الهضم.
ووفقاً لدراسة حديثة قام بها باحثون من جامعة بوفالو في نيويورك، فإن نمط الحياة الغربي الذي يتسم بقلة الحركة وزيادة تناول الدهنيات والسكريات من شأنه أن يزيد خطر التعرض للحصى المرارية التي يمكن ان تقود الى تشمع الكبد في حال سدت الحصى القناة الكبدية الرئيسة التي تنساب من خلالها المفرزات الصفراوية. وقد بينت نتائج الدراسة ان الحمية الغنية بالأحماض الدهنية غير المشبعة المدعومة بالتمارين الرياضية تساهم في خفض تشكل الحصى في شكل ملموس.
ماذا عن الوراثة، فهل هي ضالعة في تشكل الحصى؟
لقد نجح فريق من الباحثين من جامعتي بون الألمانية وكلوج نابوكا الرومانية قبل فترة في التعرف إلى جينة (مورثة) قد تكون متورطة في تشكل الحصى بين واحد من بين كل عشرة أوروبيين، وعلى ما يبدو، فإن هذه الجينة تؤدي الى زيادة تركيز الكوليستيرول، ما يعزز احتمال تشكل الحصى المرارية. وقد يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام إيجاد وسيلة علاجية جديدة أو ربما وسيلة وقائية من حصى المرارة.
- ان حصى المرارة غالباً ما تكون صامتة، وفي كثير من الأحيان يتم كشف النقاب عنها بالصدفة خلال إجراء الفحوص الروتينية أو من خلال تحري أمراض لا علاقة لها بها، لقد بينت التحريات ان حوالى 70 في المئة من الأشخاص الذين يملكون في مرارتهم حصى لا يعانون من مشاكل تذكر ويتعايشون معها طوال حياتهم، وفي هذه الحال لا حاجة الى استئصال المرارة حتى لو اكتشفت الحصى فيها. ان العلاج ينفذ فقط عند إصابة المرارة بالتهاب حاد يسبب آلاماً لا تطاق، أو لدى انسداد قناة المرارة بحصاة تحول دون تدفق الصفراء من خلالها الى الأمعاء.
- إن عسر الهضم المتمثل بانتفاخ البطن، وحس الثقل بعد الطعام، مع الشعور بالحرقة في أعلى البطن إضافة الى كثرة الغازات، خصوصاً عدم تحمل الدسم، يجب ان تثير الشكوك بالإصابة بحصى المرارة.
- في حال وجود تداعيات صحية تشكل خطراً على حياة المصاب بالحصى المرارية، فإن العلاج الجذري يتم باستئصال المرارة وما فيها بواسطة المنظار، وقد أثبتت هذه التقنية تفوقاً على الجراحة التقليدية التي تقوم بشق البطن، فالعملية بالمنظار تتم عبر ثقوب صغيرة تلتئم سريعاً، ولا تتطلب سوى إقامة قصيرة في المستشفى. وفي حال غياب التداعيات، فإن المراقبة الدورية وتعديل النهج الغذائي يشكلان حجر الأساس في تدبير الحصى.
إن الحصى المرارية قد تكون سبباً في حدوث اليرقان (أبو صفار) الانسدادي الذي يتظاهر باصفرار لون الجلد وصلبة العين مع تحول البول الى اللون الغامق وحكة جلدية وربما آلام في البطن.
- السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن الوقاية من حصى المرارة؟
في ما يأتي بعض النصائح التي تسهم في درء شر الإصابة بحصى المرارة:
1 - هجر الحميات القاسية لتخسيس الوزن، فمثل هذه الحمية التي تفتقر الى الدسم غير طبيعية، لأنها تحدث بلبلة في تكوين الصفراء المخزنة في المرارة، إذ يصعد مستوى الكوليستيرول، ويهبط مستوى الأملاح في مادة الصفراء. عدا ذلك، فإن غياب الدسم يمنع حدوث الانقباضات في المرارة لإفراغ محتواها، وهذه العوامل، منفردة أو مجتمعة، تساهم في إيجاد الجو المناسب لتشكل الحصى. إن إضافة القليل من الدسم الى وجبات التخسيس أمر مهم لتأمين انقباض المرارة وإفراغ محتوياتها في شكل متكرر بحيث لا تظل الصفراء قابعة فيها، الأمر الذي يشجع على ترسب الكوليستيرول والأملاح وتكوين الحصى.
2- تناول ما يكفي من الحاجة اليومية من الفيتامين (سي) لأنه يساعد الجسم في تنظيم تحويل الكوليستيرول الى أحماض صفراوية.
3- الحد من كمية الأغذية الغنية بالأحماض الدهنية المشبعة لأنها ترفع مستوى الكوليستيرول وتشجع على تشكل الحصى المرارية.
4- تفادي الصيام المديد لأنه يشجع على تكدس المفرزات الصفراوية في المرارة وبالتالي تشكل الحصى.
5- استعمال خليط من مختلف الزيوت النباتية في تحضير الأطعمة النيئة والمطبوخة من أجل خلق التوازن بين الأحماض الدهنية.
6- الاعتدال في استهلاك الأغذية الغنية بالسكريات السريعة الامتصاص واستبدالها بتلك الغنية بالألياف.